ثقافة الشاي
أصل الشاي
الصين هي موطن الشاي، وهي أول دولة في العالم قامت بزراعة واستخدام الشاي، حيث يمتد تاريخ اكتشاف الشاي واستخدامه في الصين لأكثر من 4700 عام، ولا يزال يحتفظ بمكانته المزدهرة وينتشر في جميع أنحاء العالم. في كتاب "كلاسيكيات الشاي" الذي ألفه لو يو في عهد أسرة تانغ، وردت عبارة: "الشاي كمشروب نشأ في زمن الإمبراطور شينونغ"، وتلاه تطوره: "سُمع عنه في عهد الدوق تشو، ازدهر في تانغ، بلغ ذروته في سونغ، وتطور في مينغ وتشينغ".نشأته في عهد الإمبراطور شينونغ
في العصور القديمة، كان الإمبراطور شينونغ، الذي اكتشف النار وجلب المنفعة للبشرية، يُدعى "ياندي". تقول الأسطورة إن شينونغ جلس يومًا تحت شجرة شاي وغلى الماء في قدر، فسقطت بعض الأوراق الطرية في الماء، فأصبح الماء صافياً وعطراً، وعند شربه شعر بالانتعاش، وهكذا تم اكتشاف الشاي. في كتاب "كتاب الإمبراطور شينونغ عن الطعام"، المنسوب له، ورد: "شرب الشاي بانتظام يمنح القوة ويبهج الروح". وهناك رواية أخرى تقول إن للإمبراطور شينونغ "بطن كالكريستال"، حيث يمكن رؤية أعضائه الداخلية، وعند تذوقه الشاي رأى كيف ينظف أحشاءه. كما ورد في "كتاب الأعشاب للإمبراطور شينونغ": "تذوق شينونغ مئات الأعشاب، وسممته 72 منها في يوم واحد، فأنقذه الشاي". ويعتقد أن هذا الكتاب أُلّف في أوائل عهد أسرة هان الغربية، مما يدل على أن أجدادنا عرفوا الخصائص الطبية للشاي في ذلك الوقت.
سُمع عنه في عهد الدوق تشو
كان الدوق تشو (اسمه دان) نجل الملك ون الرابع وأخو الملك وو من أسرة تشو، وعُرف بأنه سياسي وعسكري وفيلسوف ومربٍ بارز في أوائل عهد أسرة تشو الغربية، ويُعتبر من رواد الكونفوشيوسية. في كتاب "إيريا" المنسوب له، ذُكر الشاي ضمن قائمة المنتجات، كما أصبح من الهدايا المقدمة للبلاط الإمبراطوري، ما يدل على مكانته في ذلك الوقت. وقد ورد في "سجلات هوايانغ - سيرة با": أنه بعد عام 1025 قبل الميلاد، أرسل الملك وو من أسرة تشو قريبه إلى منطقة "با" (تقع اليوم في سيتشوان وشمالها)، وكان على هذا الحاكم تقديم الجزية إلى البلاط، ومن بينها: الحبوب، الماشية، الحرير، الأسماك، الملح، المعادن، الدهانات، العسل، الشاي، السلاحف، وحيوانات نادرة.
ازدهر في عهد أسرة تانغ
قال الشاعر: "منذ أن وُلد لو يو، تعلم الناس الشاي الجديد". في منتصف عهد أسرة تانغ، أدى إصدار "كلاسيكيات الشاي" إلى تطور غير مسبوق في ثقافة الشاي، ويمثل بداية تشكيل ثقافة الشاي في عهد تانغ. جمع هذا الكتاب بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، واستكشف فن شرب الشاي، ودمج تعاليم الكونفوشيوسية والطاوية والبوذية، وأسس روح طريق الشاي الصيني. ظهرت بعد ذلك كتب وقصائد كثيرة عن الشاي. كان لانتشار البوذية في تانغ دور كبير في ترسيخ ثقافة الشاي، حيث زُرعت أشجار الشاي في المعابد، ونُظمت مراسم خاصة به. وقد ظهرت ثلاث مدارس رئيسية لطريق الشاي في هذه الحقبة: طريق الشاي الملكي، طريق الشاي في المعابد، وطريق الشاي الأدبي. ويُعد "كلاسيكيات الشاي" حجر الزاوية في ثقافة الشاي الصينية.
بلغ ذروته في عهد أسرة سونغ
شهد عهد سونغ تطورًا كبيرًا في صناعة الشاي، وظهرت جمعيات لتذوق الشاي من قبل المثقفين والموظفين. كان الإمبراطور تايزو من أسرة سونغ مولعاً بالشاي، وأسس هيئة مختصة بالشاي في القصر. أصبح تقديم الشاي تقليداً رسمياً، يُستخدم كوسيلة للمكافأة والتودد. في المجتمع، ارتبط الشاي بمختلف الطقوس الاجتماعية مثل: تقديم الشاي عند انتقال السكن، وعند الخطوبة والزواج، وغيرها. كما اشتهرت في هذه الحقبة مسابقات "مبارزات الشاي"، ما أدى إلى تطوير طرق الإنتاج والتحضير.
تطور في عهدي مينغ وتشينغ
ظهرت في هذه المرحلة أنواع متعددة من الشاي مثل الشاي الأخضر المطهو على البخار والمقلي والمجفف. وتغير أسلوب تحضيره إلى "طريقة الغلي الفردي". برز في هذه الفترة عدد من المثقفين مثل تانغ بوهو وون تشنغمينغ الذين تركوا أعمالاً فنية شهيرة عن الشاي. ازدهرت أدوات الشاي بتنوع أشكالها وخاماتها. في أواخر عهد مينغ، أصبح تذوق الشاي فناً متكاملاً يبحث عن الجمال والكمال. طرح تشانغ يوان في كتابه "سجل الشاي" مفهومه عن "طريق الشاي"، والذي يقوم على: الدقة في الإنتاج، الجفاف في التخزين، والنقاء في التحضير. ويرى أن للشاي "روحًا داخلية" (الطاقة) و"جوهراً خارجياً" (اللون، العطر، النكهة). وكان يسعى لتحقيق الانسجام بين الإنسان والشاي في تجربة حسية متكاملة.
أما تشانغ دافو، فقد ذهب أبعد من ذلك، وقال: "الناس يتذوقون الشاي دون فهم طبيعته، يحبون الجبال دون فهم مشاعرها، يقرأون دون إدراك معانيه، ويتبعون البوذية دون فهم جوهرها". أي أن الهدف من شرب الشاي ليس مجرد التذوق، بل تحقيق صفاء داخلي وروح سامية تتجاوز العالم المادي. خلال عهد تشينغ، أصبح تصدير الشاي صناعة منتظمة، وازدهرت المؤلفات والقصائد حوله.
الخاتمة
رافق الشاي الأمة الصينية العريقة على مدى آلاف السنين. وعند تصفح صفحات الحضارة الصينية الممتدة لخمسة آلاف عام، يمكن شم عبير الشاي في كل صفحة. فالشاي ليس مجرد مشروب، بل هو ثقافة عميقة، وجزء أساسي من التراث الصيني، وجوهرة مشرقة في نهر الحضارة الصينية.